مونديال جديد وكلام قديم
رغم الاهتمام والانشغال بمباريات متتالية للمونديال الروسى الحالى.. لا يزال ممكنا أن نجد الدقائق القليلة الكافية لإعادة تأمل ما جرى فى هذا المونديال حتى الآن.. وهى أيضا دقائق كافية لاكتشاف أنه بقدر استمتاعنا نحن بلعب الكرة فهى أيضا تهوى أن تتلاعب بنا.. نحن نحبها ونحب كل ما فيها من دراما وإثارة ومفاجآت.. وهى أيضا فى المقابل تحب أن تخدعنا وتجعلنا فى كل مونديال نقول ما نظن أنه كلام جديد بينما هو فى الحقيقة نفس الكلام القديم الذى سبق أن قلناه وسمعناه فى كل مونديال سابق.. وهو ما يحدث الآن بالضبط.. كلنا نتكلم عن كرة القدم الظالمة والفوز المسروق فى الدقائق الأخيرة.. والنجوم الذين يخذلون فرقهم.. والمفاجآت التى تجعلنا نترقب فى شغف ما سيحدث فى النهاية..
وقد سبق أن رددنا نفس الكلام فى المونديال الماضى.. وردده كثيرون قبلنا فى البطولات السابقة.. ولا ننتبه إلى أننا بعد نهاية كل مونديال سنكتشف أن كرة القدم ليست لعبة ظالمة وإنما عادلة جدا.. وأنها قد تسمح ببعض المظالم الصغيرة فقط من أجل الدراما اللازمة حفاظا على شعبيتها.. ولكى تواصل الكرة خداعنا وإقناعنا بضرورة البقاء فى الملاعب وأمام الشاشات.. تسمح لنا ببعض المفاجآت التى تربكنا وتثير جنوننا ودهشتنا وتعليقاتنا وانشغالنا.. ثم تأتى النهاية ونكتشف أنه لم تكن هناك أى مفاجآت حقيقية أو كاملة.. ولن يفوز بهذا المونديال إلا أحد الفرق الكبرى المرشحة منذ البداية.. وأن كرة القدم تنحاز دائما للكبار الذين قد تضحى بأحدهم فى كل مونديال لكن يظل الكبار كبارا فى حسابات كرة القدم ونتائجها الأخيرة..
ولا أقصد بهذا الكلام أو تلك الدعوة للتفكير والتأمل أننا سنكف عن الشغف بكرة القدم أو سيقل اهتمامنا بها وحرصنا على متابعة مبارياتها وبطولاتها ونجومها.. فهذا لن يحدث على الأقل فى المائة سنة المقبلة رغم كل تحذيرات ومخاوف إينفانتينو، رئيس الفيفا، الذى أعرب يوما عن مخاوفه ألا تنجح كرة القدم فى المحافظة على مكانتها.. فنحن سنبقى نحبها مهما خدعتنا أو ظلمتنا أو كانت قاسية أو سرقت منا الفرحة فى أشد أوقات احتياجنا لها.. وسنبقى أيضا أسرى لكل انتماءاتنا وخلافاتنا واستمتاعنا بذلك.. وستعيش اللعبة التى تسمح لأى أحد منا بالتعبير عن رأيه دون خوف أو أذى.