يورجن كلوب.. كيف نجح الـ«NORMAL ONE» في بناء فريق قوي لليفربول؟
«أريد الاستمتاع بهذا الصخب وأحب القتال في كرة القدم حيث لا مجال للهدوء وهو ما نطلق عليه في ألمانيا ‘النهج الانجليزي’. يوم ممطر وأرضية صعبة فيما يظهر على الجميع آثار اللعب ويعود اللاعبون الىمنازلهم وهم لا يستطيعون ممارسة كرة القدم لأربعة أسابيع تالية»
يورجن كلوب متحدثاً عن الكرة الإنجليزية.
رغم خيبة الأمل الكبيرة التي أصابت ليفربول بنهاية الموسم التاريخي في 2013- 2014 وخسارة الدوري في اللحظات الأخيرة بعد سيطرة على القمة أغلب الموسم إلا أن الجماهير بدأت تشعر بأن هذه الخسارة رغم قسوتها، صنعت جيلاً قادراً على المنافسة والبقاء في القمة، ربما الموسم التالي يكون قادراً على تحقيق اللقب.
لليفربول مدرب جيد برندان رودجرز، والذي تمكن من إعادة الفريق بقوة إلى المركز الثاني والذي لم يكن سيئاَ رغم خسارة الدوري ومجموعة قوية من اللاعبين لم يخرج منهم سوى الأورجوياني، سواريز الذي رحل إلى برشلونة الإسباني، إلا أن الموسم التالي تحول لكارثة حقيقة.
حاول ليفربول تعويض رحيل سواريز وتعاقد مع مجموعة من اللاعبين هم « ريكي لامبارت و ديان لوفرين، ولالانا، ولازار ماركوفيتيش، وديفوك أوريجي، وألبرتو مورينيو، وإمري كان، بالوتيلي»، لكن الموسم كان قاسياً إلى أبعد حد لم.
بدأ ليفربول الموسم بشكل مبشر بالفوز على ستوك سيتي وبورنموث لكنه عجز بعد ذلك عن الفوز سوى في مرة واحدة خلال الوقت الأصلي خلال اخر تسع مباريات، واضطرت الإدارة لإقالة رودجرز.
NORMAL ONE مدرباً لليفربول
بمجرد إقالة رودجرز بدأت الترشيحات تنهال من جماهير ليفربول ما بين كارلو أنشيلوتي أو يورجن كلوب، لكن كان واضحاً للعيان أن المدير الفني الألماني هو صاحب الأفضلية بعد تجربته الملهمه مع بروسيا دورتموند التي انتشلها من الضياع ليحقق الدوري مرتين متتاليتين في 2011 و2012 كما فاز بكأس ألمانيا في العام 2012 ليجمع الثنائية المحلية، والوصول مع دورتموند إلى نهائي دوري أبطال أوروبا 2013 قبل أن يخسر أمام غريمه المحلي بايرن ميونخ.
كل ذلك كان نجاحاً مبهراً أن تنتشل فريق عريق من الضياع وتقوده إلى أعلى درجات النجاح، لكن الأهم هي الكرة التي قدمها كلوب واللاعبين الذين صنع منهم نجوم كبار في فترة صغيره، نوري شاهين، لوكاس باريوس، محمد زيدان، جوندوجان، ليفاندوفسكي، جروب كروز، مجموعة كبيرة من اللاعبين ساهم في تطويرهم إلى حد بعيد.
كانت نظرة ليفربول صائبة بدلاً من الاعتماد على مدرب يختار لاعبين جاهزين، الاعتماد على مدرب له مشروع وفلسفة كروية وبناء فريق ومن ثم تحقيق البطولات.
«أنا رجل عادي من الغابة السوداء ولا يمكن مقارنتي بالعباقرة. لا استطيع أن أصف نفسي. هل يعتقد أحد هنا إنني قادر على فعل المعجزات؟ اتركوني أعمل. لست مميزا، أنا شخص عادي»
يورجن كلوب في المؤتمر الصحفي لتقديمه كمدرب لليفربول.
تولى المدير الفني الألماني مسؤولية الفريق الإنجليزي في 9 أكتوبر 2015 ليعيد الفريق من جديد إلى الواجهة رغم كل المصاعب التي واجهه، كانت قائمة الريدز تضم أسماء مثل :«سيمون مينيوليت، وغلين جونسون، وخوزيه أنريكه، وكولو تورية، ودانييل أغر، ديان لوفرين، وسباستيان كواتيس ، وممادو ساكو ، وأبرتو مورينيو، ومانكيو، ومارتين سكيرتل، وفلانجان، وجاك روبنسون، وستيفن جيراراد ، وكوتينيو، وأسامة السعيدي جوردان هيندرسون ولالانا، لوكاس ليفا، إيمري كان، جوي ألين، سوسو، ورحيم سترلينغ، وجوردان آيب، ولازار ماركوفيتش، ريكي لامبرت، دانييل ستوريدج، فابيو بوريني، ماريو بالوتيلي».
خرج ليفربول من دوري أبطال أوروبا وصعد بازل وريال مدريد، بدلاً منه، فبدأ كلوب رحلته في كأس الاتحاد الأوروبي مع محاولة تصحيح الأوضاع في الدوري والكأس، نجح بالفعل المدير الفني الألماني في تصحيح الأوضاع داخل النادي رغم مجموعة اللاعبين الكارثية معه وانخفاض المستويات بشكل مفزع.
صعود تدريجي إلى القمة.. كلوب يعيد ليفربول
بنهاية الموسم صعد ليفربول إلى المركز الخامس بالدوري، لكنه خسر نهائي الكأس ونهائي كأس الاتحاد الأوروبي نهاية مؤلمة لكنها أفضل من البداية الكارثية للموسم وإشارة قوية للجماهير أن هناك مدرب قادم قادر على إعادة الفريق وبناءه بشكل أفضل كثيراً مما كان عليه.
ليس ذلك فقط بل عند احتساب عدد النقاط التي جمعتها الأندية في الدوري الإنجليزي منذ بداية عام 2015 ، فإن ليفربول يحتل المركز الأول برصيد ثلاثة وعشرين نقطة.
في الموسم التالي 2015- 2016 بدأ يورجن كلوب في تجهيز فريقه للموسم الجديد، والذي يلعبه الريدز دون قائدة التاريخي ستيفن جيرارد، لكن واجه المدرب الألماني صعوبة في إجراء تعاقدات كبيره بسبب عدم لعب الفريق في دوري أبطال أوروبا فابستثناء الإضافات التي حدثت في 2015 وأبرزها جيمس ميلنر وفيرمينو لم يجري كلوب تغييرات جديدة.
خلال موسم 2015 – 2016 حاول يورجن كلوب تطوير قدرات لاعبيه والعمل على أهداف محددة أبرزها العودة لدوري أبطال أوروبا حتى يتمكن من التعاقد مع لاعبين مميزين بالإضافة للعمل أكثر على تطوير قدرات فريقه.
ليفربول لأول مرة منذ 10 سنوات في نهائي دوري الأبطال
في موسم 2016 -2017 نجح كلوب في قيادة ليفربول للمركز الرابع والعودة إلى دوري أبطال أوروبا وهو ما ساهم بشكل كبير في تدعيمات الفريق الإنجليزي ووضعه على الطريق الصحيح، في هذا الموسم نجح كلوب في التعاقد مع لاعبين ممتازين يخدمون الفريق كما تمكن من تطوير قدرات الكثير.
تعاقد ليفربول في هذا الموسم مع ساديو ماني، وجورجي فينالدوم، وماتيب ورغم أن عدد اللاعبين الذين تعاقد الريدز معهم قليل لكنهم أضافو الكثير للفريق.
أصبحت تشكيلة كلوب أفضل كثيراً في حراسة المرمى منيوليه، قلبي دفاع ماتيب ولوفرين وظهير أيسر ألبرتو مورينيو وظهير أيمن ناثان كلاين، في وسط الملعب شكل هندرسون وفينالدوم وميلنر وخط هجوم ضم ماني وفيرمينيو وكوتينيو.
ومع بداية موسم 2017 -2018 بدأ ليفربول التفكير جدياً في تدعيم صفوفه بالشكل الأفضل تعاقد مع محمد صلاح نجم روما الإيطالي، هو الاستقدام الأبرز في الفريق مع أندري روبتسون اللاعب المجهول أنذاك القادم من هال سيتي قبل أن يتحول مع كلوب لأحد أفضل الظهراء في العالم.
ساهم توهج صلاح الذي شكل مثلث رعب مع فيرمينيو وصلاح وماني حتى بعد رحيل كلوب، مع وسط ملعب قوي جداً ضم لالانا، وهيندرسون، وفينالدوم، وميلنر،وإمري تشان مع تصعيد جو جوميز وألكسندر أرنولد.
في موسم 2017 -2018 قدم ليفربول أداءاً مذهلاً بفضل الإضافات والبناء التدرجي للفريق، وإضافات أعداد قليلة من اللاعبين لكن بسياسة تعاقدات تخدم الفريق على المدى الطويل وبأسعار قليلة جداً فأغلى صفقة في الموسم كانت لمحمد صلاح بـ 50 مليون دولار وهو مبلغ كبير وقتها لكن صلاح بفضل تطوير كلوب له أصبح ثمنه لا يقبل عن 150 مليون دولار.
في ذلك الموسم أضاف كلوب في انتدابات يناير أحد أهم صفقاته فان ديك مدافع ساموثهامبتون بـ 75 مليون دولار مستخدماً في ذلك أموال بيع كويتينو بـ 250 مليون دولار، لكن أهم ما ميز صفقة المدافع الهولندي أن ليفربول أصبح أمام سياسه جديدة تقول إن كل أموال تنفق لاستقدام الأفضل سيأتي بالأفضل وهو ما قد كان.
أنهى ليفربول الموسم في المركز الرابع بالدوري الإنجليزي وصعد نهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ 2007.
نجاح محمد صلاح المذهل ثم الإضافة المذهله أيضاً التي منحها فان ديك لدفاع ليفربول شجعت يورجن كلوب على الاستمرار في أفكاره مع منحها بعض التحرر المالي مستخدماً في ذلك أموال كويتينيو حيث تعاقد ليفربول مع الحارس البرازيلي العملاق أليسون بمبلغ قياسي قارب الـ 70 مليون يورو، وكذلك مع نابي كيتا بمبلغ قياسي أيضاً وصل لـ 48 مليون إسترليني والبرازيلي فابينيو بمبلغ وصل لـ 50 مليون إسترليني وشاكيري بمبلغ زهيد 12 مليون إستراليني.
خلال المواسم الثلاث الماضي نجح كلوب بفضل عقليته وسياسته في تطوير اللاعبين واستقدام لاعبين بأسعار أقل مع العمل على تطويرهم بشكل يمكن ملاحظته بسهوله في أداء محمد صلاح المذهل وكذلك في تطوير قدرات لاعبي الوسط والدفاع ليحصد الألماني ثمار أوليه لذلك العمل في 2018 الذي سينهيه وهو على قمة الدوري الإنجليزي كما صعد لدوري الـ 16 بدوري أبطال أوروبا ليكون أمام تحدث كبير حول مدى قدرته على الاستمرار في ذلك.
فلسفة كلوب التي أعادت ليفربول.
«العديد من الفرق ضدنا تلعب على الهجمة المرتدة كذلك، ولا يمنحونا نفس الاحترام الذي يُمنح لمانشستر سيتي على سبيل المثال، نشاهدهم أمام سيتي ونتساءل ما الذي يفعلوه، ثم بعد ذلك يلعبون أمامنا بالطريقة الصحيحة».
في حوار له مع شبكة «سكاي سبورتس»، تحدث المدير الفني الألماني يورجن كلوب، عن أزمة واجهها قبل بداية الموسم، وهي أن كل الفرق بدأت في فهم أسلوب وطريقة «الريدز» والذي يعتمد في الأساس على «الضغط المعاكس» وعدم منح الفريق فرصة للتحضير والنقل، وهو ما كان يدفع العديد من الفرق للاعتماد على الهجمات المرتدة أمام ليفربول.
لكن مع بداية الموسم الحالي كان على «كلوب» حل تلك المشكلة، وهو ما دفعه لتغيير طريقة اللعب واستقدام لاعبين أكثر مهارة في وسط الملعب لديهم قدرات تمنحهم السيطرة على الكرة والمرور بها، ومنح تمريرات قصيرة وطويلة، لكن الإصابات التي ضربت «كيتا» وعدم انسجام «فابينيو» لم تمنحه فرصة لذلك لكنه ما يزال مصراً على طريقته.
انتقل ليفربول من الضغط المعاكس للعب يشبه إلى حد ما مانشستر سيتي مع استمرار الضغط على الفرق المنافسة، بنزول «فيرمينيو» لمنتصف الملعب كمدافع تالت ثم صانع ألعاب، ثم مكملاً للهجمه، فكرة «كلوب» تلخصت وفقاً لما يقول :« الأسلوب قد يختلف مع النصف الثاني من الموسم حينما نواجه فرق ترغب في الابتعاد عن مراكز الهبوط وتحتاج للعب بشكل مفتوح، ولكن في الوقت الحالي علينا الاستحواذ على الكرة وأن نكون صبورين»
لكن الجزء الأهم في كلام «كلوب» هو الاحترام، ليس فقط شخصية البطل والتي تظهر في القوة والضغط والسيطرة والقدرة على العودة لكن في وجود أسلوب لعب محدد يجبر الفرق أمامك على الاحترام وهو ما نجح فيه «مانشستر سيتي».
أهم ما يميز كلوب هو التعاقد مع لاعبين يرسم لهم دور محدد قبل حضورهم يدرس إمكانياتهم بشكل جيد وما يمكن أن يقدموه ويعمل عليه ويطوره، كل من في ليفربول من بداية حارس المرمى أليسون الذي أصبح بين الأفضل في العالم، كذلك فان ديك وروبرتسون يمكن رؤية كيف أصبحوا بين أفضل مدافعين في العالم ومعهم لاعبين صاعدين مثل جو جوميز وأرنولد.
في وسط الملعب تلاحظ بسهوله فينالدوم وكيتا وفابينيو وهيندرسون وقبلهم المصاب شامبرلين الذي تعاقد كلوب معهم وتم انتقاده لكن اللاعب قبل الإصابة قدم موسماً كبيراً، يكفي أن خروج كويتينو لم يؤثر على ليفربول بالسلب ربما كان تأثيره إيجابي أكثر.
في خط الهجوم أصبح لديه الأفضل في العالم صلاح وماني وفيرمينيو، ذلك بفضل الإضافات التدريجية المتميزة التي وضعها ومعها بصمته.
تحديات جديدة.. 2018 بداية فقط
كلوب قدم لليفربول ما هو أهم من البطولات فتجربته تشبه إلى حد ما بدايات أليكس فيرجسون مع مانشستر يونايتد بالنظر إلى قائمة الريدز التي جاء كلوب عليها والقائمة حالياً وشكل الفريق يمكن ملاحظة الفارق، ففي كل خط للفريق الإنجليزي العريق ما لا يقل عن لاعبين بين الأفضل في مركزهم في العالم أليسون فان ديك روبتسون وفينالدوم كيتا وكابتن إنجلترا هندرسون وماني فيرمينيو ومحمد صلاح مجموعة ضخمه من اللاعبين.
لن يحصد ليفربول ثمار ذلك الموسم الحالي فلو لم يحصد لقب الدوري فلن يكون ذلك سيئاً لكن الرهان الحقيقي سيكون مع الموسم القادم والذي سيدخله ليفربول نفس اللاعبين مع المزيد من الإضافات التي ستمنحه قوة كبيرة وربما يصبح الأفضل في أوروبا خلال السنوات القادمة لو حافظ على نفس اللاعبين والسياسة مع إضافة المزيد من اللاعبين المتميزين.