لن ينسى كثيرون مثلي هذا الثنائي المرعب الذي شاهدناه يجتمع للمرة الأولى في مونديال فرنسا 1998، زين الدين زيدان، ذو الأصول العربية الجزائرية الذي خطف قلوبنا بلمساته الساحرة وأناقته، والفتى الأسمر الشاب تييري هنري، الذي يتحرك كالغزال ويلدغ خصومه كالكوبرا. كانت تلك السنة هي بداية لصناعة أسطورة المنتخب الفرنسي الذي فاز بالمونديال واليورو وكأس القارات، قبل قرابة 20 عامًا. حينها، كانت أقدامهما تحدثنا عنهما وتخلق بداخلنا صورة ذهنية أسطورية عن كلا اللاعبين، أحدهما صار رمزًا لريـال مدريد والثاني هو تجسيد حي لسنوات أرسنال الذهبية، لكن ما أن توقفت أقدامهما عن مداعبة الكرة وجلس كل منهما على مقعد المدرب حتى ظهر الجانب الآخر من شخصيتهما، فحافظ «زيدان» على مكانته الأسطورية في عالم كرة القدم وحملها معه لعالم التدريب في ريـال مدريد، أما «هنري» فتولى تدريب موناكو معتمدًا على «كتالوج السقوط السريع» ليجد نفسه بعد ثلاثة أشهر فقط عائدًا إلى منزله.
خلال الساعات الماضية، أعلن نادي موناكو إقالته لـ«هنري» من تدريب الفريق بعد تحقيقه فوز وحيد في الدوري الفرنسي طوال ثلاثة أشهر، لكن سوء النتائج لم يكن السبب الوحيد في الإطاحة بأحد أهم نجوم مونديال فرنسا ويورو 2000 من القيادة الفنية لنادي شبابه، فكشف الصحفي البريطاني الخبير في الكرة الفرنسية، جوناثان جونسون، أن «قلة الاحترام» كانت السبب الرئيس لاتخاذ إدارة الفريق القرار بإقالته.
وأوضح «جونسون» لشبكة «سكاي سبورتس» أن «هنري» لم يظهر احترامًا كبيرًا للاعبيه أو للمنافسين أيضًا، ما لم يحظى بإعجاب كثير من اللاعبين في الفريق واعتبروا أن هذا السلوك لا يناسب ناديًا كبيرًا بحجم موناكو، ليرفعوا الأمر للإدارة التي اتخذت القرار بإقالة مساعد مدرب بلجيكا السابق.
تولي تييري هنري لقيادة موناكو جاء في وقت صعب عانى فيه النادي الفرنسي من الخسارة في 10 مباريات متتالية واحتلال المركز الـ 18 في الدوري الفرنسي وتذيل مجموعته في دوري الأبطال، وربما انتظر كثيرون، وأنا منهم، أن يستغل الفرنسي نجوميته في توحيد صفوف الفريق وإلهامه للخروج من وضعيته الصعبة، على غرار ما فعله زميله السابق زين الدين زيدان مع ريـال مدريد حين تسلم فريقًا ممزقًا من سلفه رافائيل بينيتيز، في يناير 2016، ليقلب وضعيته الصعبة إلى حقبة تاريخية في تاريخ الميرينجي، لكن هذا لم يحدث لأن الغزال الفرنسي افتقد لأهم ما تميز به زميله السابق، الاحترام.
حين تولى «زيدان» تدريب ريـال مدريد كانت خبراته التدريبية لا تتعدى تولي منصب المدرب المساعد لكارلو أنشيلوتي مع ريـال مدريد في موسم 2013/2014 وتولي القيادة الفنية للفريق الثاني لريـال مدريد، إذًا لم يكن صاحب مسيرة تدريبية كبيرة على الإطلاق، إلا أنه امتلك مفتاحين آخرين مكناه من السيطرة على غرفة الملابس التي حظت بأسماء كبيرة على رأسها كريستيانو رونالدو وسيرجيو راموس ومارسيلو وكريم بنزيمة. كان المفتاحين هما اسمه وأسلوبه، لكن الاسم وحده لا يضمن نجاحك، فالاسم قد يكسبك الاحترام في البداية لكن أسلوب تعاملك مع اللاعبين هو ما سيضمن لك استمرار ذلك الاحترام، وهنا نجح «زيدان» وسقط «هنري».
على مدار ثلاثة مواسم، كانت العلاقة بين «زيدان» ولاعبيه يسودها الاحترام المنعكس من أسلوب تعامل النجم الفرنسي معهم، ويمكن أن نرى انعكاس ذلك في رسالة وداع القائد الثاني للفريق مارسيلو لمدربه حين قرر الأخير الرحيل عن النادي بنهاية الموسم الماضي، إذ قال له: «السيد زيزو، لقد تعلمت الكثير بجوارك، واستمتعت بكل تدريب كالطفل، وكل نصائحك! أنت مميز جدًا بالنسبة لي! لقد صنعت تاريخًا بعملك، والتزامك وشغفك وقبل كل شئ تواضعك».
وربما علينا أن نلتفت بشدة إلى ما قاله كاسيميرو في وداعه لـ«زيزو»: «لقد كان فخرًا أن أحظى بمثلي الأعلى كمدرب»، إذ يشير هنا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي الصورة الذهنية للاعب عن مدربه، فحين يكون مدربك أسطورة من أساطير اللعبة وحين يكون أحد لاعبيك المفضلين، تنتظر أن تتعامل مع هذا الرجل عن قرب فإما يؤكد لك الصورة التي حفرتها في مخيلتك فيخلق بداخلك الرغبة للموت من أجله، أو يصدمك فتفقد كل مشاعرك تجاهه، تلك المشاعر التي لا تتعلق باحترافك بل بطفولتك فتصبح غير قادر على التعامل معه لأنه يذكرك في كل يوم كم كنت مغفلًا حين أحببته يومًا.
أما «هنري» الذي سار الدرب مع «زيدان» لاعبًا، فربما ضل الطريق مدربًا، فدخل غرفة ملابس موناكو متسلحًا باسمه الأسطوري في عالم كرة القدم، لكن شيئًا ما انكسر حين فشل في إظهار احترامًا للاعبيه، رغم أن الوضع كان من المفترض أن يكون أسهل بالنسبة لمهاجم أرسنال السابق عن زميله «زيدان»، فرغم كل شئ لا يملك موناكو من يمكنه أن يقترب ولو بقليل من إنجازات «هنري» كلاعب، ما يعني أنه باسمه مع بعض الاحترام كان يمكن لـ«هنري» أن يكسب غرفة الملابس ويحولهم إلى كتيبة من المقاتلين، لكن عوضًا عن ذلك اختار اتباع «الكتالوج» الذي اتبعه البرتغالي جوزيه مورينيو في تجربته الأخيرة في مانشستر يونايتد، حين اصطدم السبيشيال وان بلاعبي فريقه ليتحول الشياطين الحمر إلى حمل وديع حتى تسبب اللاعبون في الإطاحة بالمدرب فقط لينتفضوا بعدها ويحققوا فوز بعد آخر مع المدرب المؤقت أولي جونار سولشاير، الذي لا يملك 1/1000 من خبرة «مورينيو» وإنجازاته، إلا أنه يملك ما لم يقدمه البرتغالي أو «هنري» للاعبيهما.. الاحترام.
رحل «هنري» تاركًا موناكو في المركز الـ 19، أسوأ مما تسلمه، كما ودع دوري أبطال أوروبا متذيلًا المجموعة الأولى بنقطة وحيدة، وودع أيضًا كأس فرنسا من دور الـ 32، وقد يؤثر رحيل الفرنسي بهذه الطريقة في أولى تجاربه التدريبية على مستقبله بشكل كبير، إلا أنه في جميع الأحوال عليه أن يتعلم من التجربة المريرة من أجل استغلال الفرصة القادمة، التي ستأتي له، حسب توقعاتي، في إحدى فرق منتصف الجدول الإنجليزية أو ربما فريق من الدرجة الأولى، وربما عليه أن ينظر إلى قائده السابق في المنتخب الفرنسي ويتخذه قدوة في كيفية التعامل مع اللاعبين في غرفة الملابس.