«قصة وصورة»(5) تشيلسي ودروجبا.. إخفاء الاشتياق اختناق يا ديدييه
في دولة أفريقية اشتهرت بالبن والكاكاو والبترول، وقسمتها الحروب الأهلية المتتالية في القرن الحادي والعشرين، وبالتحديد في بلدة «نيابرايو» التابعة لمدينة أبيدجان عاصمة ساحل العاج، ولد ديدييه دروجبا نجم الأفيال الإيفوارية وأحد أساطيرالكرة الأفريقية، لتبدأ مسيرة نجم استمر بين ميادين الساحرة المستديرة 20 عامًا حصد خلالها 4 ألقاب في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم ودوري أبطال أوروبا 2012.
ديدييه الذي يحلم كل شاب يلعب كرة القدم في كوت ديفوار والقارة السمراء عمومًا بأن يصبح يوما ما مثله، بسبب الشعبية الجارفة التي يمتلكها الفيل الإيفواري على المستوى الإنساني والرياضي، ولا تقتصر هذه الشعبية، لنجم تشيلسي الإنجليزي وقائد منتخب كوت ديفوار التاريخي، على بلدته أومنطقته فقط، بل تمتد إلى مختلف أرجاء بلاد البن والبترول، وتتخطى المنطقة العازلة التي تفصل شمال ساحل العاج الذي يسيطر عليه المتمردون، وجنوبها الذي تسيطر عليه قوات الحكومة، وهي المنطقة التي تتولى قوات حفظ السلام الفرنسية والدولية السيطرة عليها.
Coucou la famille @Cotedivoireoff_ ??? https://t.co/WnHJfweuk2
— Didier Drogba (@didierdrogba) October 20, 2023
جانب إنساني بطولي
لم تأت شعبية ديديه من فراغ كما يقول والده البرت دروجبا بلدته «نيابرايو»، فقد قام ابنه بإقامة عدد من المشروعات الخيرية، من بينها مستشفى في مدينة أبيدجان، ومساعدات لأسر فقيرة في مسقط رأس أسرته.
كما قام دروجبا بمبادرة هامة في عام 2006 بعد أن حصل على لقب أفضل لاعب في أفريقيا للمرة الأولى فقد زار مدينة بواكيه، أكبر مدن شمال ساحل العاج، على الرغم من الإنقسام الحاد الذي تعيشه بلاده بين الشمال والجنوب.
قاد دروجبا زملائه الذين ينتمون للشمال والجنوب في كوت ديفوار للتوقيع على بيان يدعو لوقف الحرب الأهلية، وعودة السلام للبلاد، أثناء كأس العالم عام 2006، وهو ما كان له أثر هام في تخفيف أجواء التوتر في ذلك الوقت.
تحرك دروجبا مرة أخرى في مارس 2009 بعد مقتل 22 من مواطنيه في حادث سيارة وهم في طريقهم لمشاهدة مباراة منتخب كوت ديفوار، إذ تعهد بعد المباراة بالتبرع بكل ما يربحه من الإعلانات في بلاده لمؤسسة خيرية أنشأها لبناء المستشفيات.
طالع أيضًا: «قصة وصورة»(4) اعتزال فيدرر.. كرة التنس تعود إلى الأرض بعد أن رفعها الكوكب روجر
نشأته وحياته
ولد ديدييه يوم 11 مارس 1978، وانتقل للعيش مع عمه في فرنسا وهو بعمر الخامسة، ومن هنا بدأت قصته مع كرة القدم، حيث ورثه عمه حبها بصفته لاعباً محترفاً بفرنسا في ذلك الحين، لكن المسيرة تعثرت بعدها بثلاث سنوات، إذ عاد ديدييه إلى أبيدجان من جديد واكتفى بممارسة كرة القدم مع أصدقاءه بمواقف السيارات.
وعند بلوغه سن الـ 11، أصيبت عائلته بضائقة مالية فعاد لعمه في فرنسا لتبدأ رحلته الحقيقية مع كرة القدم، ومع انتقال والديه إلى فرنسا في عام 1991، وعودة دروجبا البالغ من العمر 15 عامًا للعيش معهم ومع إخوته. هنا بدأ يلعب كرة القدم بشكل مستمر، وانضم إلى فريق محلي للشباب، ثم انضم إلى نادي ليفالويس شبه المحترف، واكتسب سُمعة الهداف وضمن مكانًا أساسيًا في تشكيلة الفريق الأول.
بداية المسيرة الكروية من بوابة لومان
انتقل ديدييه إلى مدينة لومان لدراسة المحاسبة في الجامعة وكان عليه تغيير ناديه، ليصبح متدرب مع نادي لومان في الدوري الفرنسي الدرجة الثانية. ومع ذلك، فقد أصيب في أول سنتين له بعدة إصابات وكان يعاني جسديًا للتأقلم مع التدريبات وجدول المباريات. وعلق مارك فيسترلوب المدير الفني السابق لنادي لومان في وقت لاحق بأنه «استغرق الأمر من ديدييه أربع سنوات ليكون قادراً على التدرب كل يوم واللعب كل أسبوع». شارك في أول مباراة له مع لومان بعد ذلك بفترة قصيرة، ووقع أول عقد احترافي له في عام 1999. وفي أول موسم له، سجل دوروجبا سبعة أهداف في ثلاثين مباراة.
جانجون
وفي منتصف موسم 2001–02، انتقل دروجبا إلى نادي جانجون في الدوري الفرنسي الدرجة الأولى مقابل 80,000 جنيه إسترليني. شهد النصف الثاني من موسم 2001–02 مشاركة دروجبا في 11 مباراة وسجل ثلاثة أهداف. وفي الموسم التالي، سجل 17 هدفاً في 34 مباراة، وساعد الفريق على إنهاء الموسم في المركز السابع، وهو رقم قياسي للنادي في الدوري. وفي نهاية الموسم انتقل إلى نادي أولمبيك مارسيليا مقابل مبلغ قدره 3.3 مليون جنيه إسترليني.
مارسيليا
سجل ديدييه 19 هدفاً وحصل على جائزة أفضل لاعب في الدوري الفرنسي. في أول مواسمه مع الفريق الرنسي، كما سجل خمسة أهداف في دوري أبطال أوروبا وستة أهداف في كأس الاتحاد الأوروبي. في نهاية الموسم، ليخطف أنظار تشيلسي الذي ضمه بمبلغ قياسي في تاريخ النادي آنذاك بقيمة 24 مليون جنيه استرليني.
تشيلسي وديدييه
وقع دروجبا مع تشيلسي في يوليو 2004. ولم يحتاج وقتًا للإندراج في منظومة البلوز، حيث سجل أول أهدافه مع النادي في المباراة الثالثة برأسه ضد كريستال بالاس. وحقق تشيلسي لقب الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الثانية في تاريخه والأولى منذ 50 سنة، كما فازوا بكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة. بمساعدة الفيل الإيفواري، الذي سجل دروجبا 16 هدفاً في إجمالي 40 مباراة لعبها تشيلسي في موسمه الأول: 10 منها في البريميرليج و5 في دوري أبطال أوروبا، وواحد في نهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية، لتبدأ قصة نجم وأسطورة سكنت في قلوب عشاق تشيلسي واحتلت مكانة تاريخية في الدوري الإنجليزي الممتاز.
خاض دروجبا خلال مسيرته المثمرة مع تشيلسي 381 مباراة بمختلف المسابقات، سجل 164 هدفًا وقدم 88 تمريرة حاسمة، ساعد بها البلوز على التتويج بالعديد من البطولات منها الدوري الإنجليزي الممتاز أربع مرات مواسم: 2004–05، 2005–06، 2009–10، 2014–15، وكأس الاتحاد الإنجليزي في مواسم: 2006–07، 2008–09، 2009–10، 2011–12، وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة: 2004–05، 2006–07، 2014–15، بالإضافة إلى درع الاتحاد الإنجليزي: 2005، 2009، وختمها بدوري أبطال أوروبا: 2011–12.
تشيلسي يفتقد لقائد يتمتع بالكاريزما
وعلق دروجبا، على خروج تشيلسي من دوري أبطال أوروبا بالخسارة ذهابا وإيابا أمام ريال مدريد، في دور الثمانية العام الماضي، بعبارة توقف عندها جماهير البلوز، حيث قال الإيفواري في الأستوديو التحليلي عبر قناة «كانال بلس»: «لم أتعرف على تشيلسي، لم يعد نفس النادي أو الفريق الذي أعرفه».
وأشار دروجبا إلى أن تشيلسي يفتقد لقائد يتمتع بكاريزما، ونجوم يتحملون المسؤولية، ولاعب يشعل حماس الجماهير في المدرجات، وكأن ديدييه يتحدث عن نفسه وعن المرحلة التي حمل فيها شعار البلوز واستعاد خلالها تشيلسي لقب دوري الأبطال في موسم 2011-2012.
نهايـة المسيرة
قرر دروجبا، في يوم الـ 22 من نوفمبر عام 2018 تعليق حزاءه واعتزال كرة القدم، مسدلًا الستار على مسيرة استمرت 20 عاما حصد خلالها 4 ألقاب في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم ودوري أبطال أوروبا 2012.
وكتب الفيل الإيفواري عبر حسابه الرسمي بمنصة إكس «تويتر» سابقًا رسالة قال فيها: «عندما أفكر في العشرين عاماً الأخيرة من مشوار الاحترافي أشعر بالفخر لما حققته كلاعب وكيف شكلتني كرجل.. إذا أخبرك شخصاً ما أن أحلامك كبيرة وجه له الشكر واستمر بالعمل بجدية وذكاء أكثر لتحوله إلى حقيقة».
وأضاف: «أريد أن أشكر كل اللاعبين والمدربين والفرق والجماهير التي قابلتها في تلك الرحلة، وفوق كل هؤلاء عائلتي وفريقي الخاص.. أتطلع للمرحلة القادمة من حياتي وما سيأتي معها وأتمنى التوفيق من الرب بها».